نظريات المؤامرة هي أفيون الشعوب
كما كان الإنترنت خيرا على البشرية بتوفير معلومات وكتب كانت غير متوفرة للجمهور في السابق، وتيسير التواصل بين العقول المتشابهة، فقد كان شرا على البشرية لنفس الأسباب!
فطوفان المعلومات يحمل الغثاء كما يحمل الماء. ويؤدي للغرق كما أنه يروي العطش.
وإذا كان عقل المرء فارغا وصفرا، فتواصله مع مليون من نفس نوعيته لن يؤدي إلا إلى تراكم الأصفار.
وهذا هو الحال في أغلب مواقع الإنترنت والمنتديات وفيديوهات اليوتيوب المهتمة بالنظريات التآمرية.
أغلبهم عرضة للوقوع في مصيدة محبي الشهرة من أمثال "أليكس جونز"، الذي يجمع تبرعات بالملايين لتمويل امبراطوريته الإعلامية، وينشر اليأس والأوهام، ويخيف متابعيه بتهويل أخبار الأوبئة والكوارث الاقتصادية يوميا.
الفئة المهووسة بالمؤامرات لا تبحث عن الحقيقة كما يظن أفرادها، بل يبحثون عن تسلية (بالمعنى الشائع للكلمة: "ترفيه"، وبمعنى: "نسيان الهم")
فعلى سبيل المثال، بدلا من دراسة أسباب ونتائج الثورة الأمريكية ودور الرئيس جورج واشنطن في إقامة الإمبراطورية الأمريكية الحالية، نجدهم يضيعون جهودهم في بحث نظرية "هل قام آدم وايزهاوبت، المؤسس الرسمي لجماعة الإيلوميناتي المتنورين، بانتحال شخصية واشنطن، للشبه بينهما، وحكم الولايات المتحدة بدلا منه في السر؟"!
فيجمعون بين الوهم العبثي وبين إيجاد متنفس لعجزهم عن منافسة العلو الأمريكي.
ونفس الشيء في نظرية بعضهم عن أن ملكة بريطانيا هي في الحقيقة من الزواحف الشيطانية المتنكرة في شكل إنسان!
أو نظريتهم عن أن الدجال خرج فعلا وأنه يحكم العالم الآن في السر!
إن أصحاب هذه النظريات "العبقرية" يرفضون قراءة الكتب العلمية والتاريخية المتعارف عليها بين المتخصصين، ويفضلون نظرية "الأرض المسطحة"، وقصص الكائنات الفضائية.
يميلون لمن يقول لهم أن تكنولوجيا أمريكا السرية تتحكم في العواصف والزلازل والأمطار، وأن البشر لم يصعدوا للقمر في الـ 6 مرات المعروفة، وأن الهولوكوست لم يحدث.
وبعضهم يستورد النظريات الشعبية الغربية، والتي لا تمسنا بشكل مباشر، ثم ينشغل بها.
فما يهمنا مثلا من معرفة القاتل الحقيقي لجون كينيدي؟!
نعم هي مسألة غامضة ومحاطة بكم هائل من الأكاذيب الحكومية والصراع الخفي على السلطة من وراء الستار في تلك الفترة، لكنها أولا وأخيرا تهم المواطن الأمريكي لا المواطن العربي المسلم.
حتى القضايا الأمريكية المتصلة بالعرب بشكل ما، كقضية اغتيال الفلسطيني المسيحي سرحان بشارة سرحان لروبرت كينيدي (أخو الرئيس، وكان مرشحا للرئاسة) تحت تأثير التنويم المغناطيسي، فنحن فيها عالة على المقالات والكتب الأمريكية المعاصرة للحادث، وقدرتنا على التأثير في القضية محدودة للغاية.
مثال آخر: ماذا لو نجحت في جمع أدلة لا تدع مجالا للشك في أن مسرحيات شكسبير كتبها في الحقيقة أحد أفراد البلاط الملكي، فرنسيس بيكون، تحت اسم مستعار، كي يحفظ مكانته الاجتماعية ولا يخلطها بفئة الممثلين المحتقرة مجتمعيا وقتها؟
ما النفع العائد على القارئ المسلم من هذا الموضوع التاريخي الأدبي البريطاني؟!
كم قارئ عربي يقرأ نصوص شيكسبير الأصلية أساسا؟!
لو أراد الباحث فعلا كشف حقيقة شخصية تاريخية تحيطها هالة زائفة، فليوجه جهوده لدراسة ابن سينا مثلا وأثر أفكاره الباطنية على المجتمع الإسلامي!
أما المهووسون بالمؤامرة فيفضلون تمضية الوقت في جمع صور الشخصيات السياسية الشهيرة التي تشير بيدها بعلامة "القرنين"، (والتي تسمى في موسيقى الروك أند رول "قرون الشيطان"، وتعتبر شعارا شعبيا عند سكان ولاية تكساس، المشهورة بتربية الماشية وبرعاة البقر) لأنهم يظنونها علامة شيطانية سرية بين "المتآمرين المتحكمين في العالم"!
ما يقوم به هؤلاء هو محاولة إيجاد تبرير بسيط وساذج للأحداث العالمية. فجورج بوش الأب وجورج بوش الابن، كلاهما كان يعمل في تكساس وكلاهما احتل العراق وقتل أهلها وسرق ثرواتها.. لكن بالتأكيد لن يكون الطريق لفهم دوافعهما هو جمع صور لهما وهما يشيران للجماهير برمز الولاية أثناء حملة انتخابية!
فهذا التبسيط المخل يجعل أتباع نظريات المؤامرة أضحوكة ولا شك.
بالإضافة لخلل طريقتهم في التفكير، فإن المصابين بهوس نظريات المؤامرة تنتشر بينهم المعلومات المغلوطة و"أنصاف الحقائق"..
ولهذا تأتي نظرياتهم وأدلتها بعيدة عن السياق الحقيقي الواقعي.
فنجد مثلا أن أحد المسلمات عندهم، والتي يتفقون جميعا عليها، هي أن "النظام العالمي الجديد" هي كلمة شيطانية ماسونية ترمز لمؤامرة إخضاع العالم كله تحت حكومة واحدة عالمية. وأنه لهذا السبب الكلمة مكتوبة على الدولار الأمريكي، وصرح بها بوش الأب في إحدى خطبه.
أما الحقيقة فمختلفة عن ظنونهم هذه.
الجملة المكتوبة باللاتينية على الدولار هي "نوفوس أوردو سيكلورم"، وهي جزء من الأدب اللاتيني (ملحمة إنيادة فيرجيل)، وتعني "ترتيب جديد للعصور".
ومعناها في سياق التاريخ الأمريكي واضح وبسيط جدا، لو كانوا يعقلون.
فالثورة الأمريكية على الملك جورج البريطاني 1776 كانت تعلن أنها نظام سياسي جديد يختلف عما ألفته أوروبا لقرون طويلة.. أي تحول من الملكية إلى الجمهورية، مع استلهام أفكار الإغريق القديمة عن جمهورية أثينا.
وفوق هذه الجملة توجد جملة أخرى ترجمتها هي "هو بارك مساعينا". وهي تعكس المشاعر الأمريكية بعد نجاح الثورة واستقلال أمريكا عن بريطانيا.. حيث ساد شعور عام أن المشروع السياسي نجح بمباركة الرب، وأن العناية الإلهية كانت ظاهرة في انتصار الجيش الأمريكي على الجيش البريطاني.
أما مهاويس المؤامرة في الغرب والشرق فلم يستطيعوا ترجمة هذه الجمل ولا فهموا سياقها التاريخي، فظنوا أنها تقول: "إعلان قدوم.. النظام العالمي الجديد"!
أما النظام العالمي الجديد الذي كان يقصده بوش الأب في خطبته في أوائل التسعينيات، فسياقه واضح ومعروف. وهو سياق انتصار أمريكا في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي الشيوعي الذي انهار بعد فشله في احتلال أفغانستان في الثمانينيات، وبعد فشل النظرية الماركسية الإلحادية عند التطبيق العملي.
فظل العالم لعشرات السنين مقسوما بين كتلة شرقية تابعة للروس وكتلة غربية تابعة لأمريكا وأوروبا، في تذبذب بين "قطبين عالميين"، كلاهما يستغل أتباعه في حروب بالوكالة، عن بعد، دون أن يخاطر بمواجهة علنية نووية شاملة.
ولما انهار السوفييت كانت خطبة بوش تدعو لنظام مختلف عن نظام القطبين، نظام عالمي جديد يسمح للجميع بالمشاركة.. وهي خطبة فارغة كعادة خطب السياسيين، تبيع الوهم بكلمات براقة وتحاول إخفاء الميول الاستعمارية الأمريكية المعروفة..
لكنها ليست "إشارة لمؤامرة خفية" كما يظن أتباع التفكير التآمري.
معرفتي بعقلية أتباع نظريات المؤامرة عائدة إلى حقيقة بسيطة، هي أني كنت واحدا منهم فيما مضى!
كنت أقرأ لـ وليم جاي كار و Eustace Mullins و David Livingstone، وأعامل "بروتوكولات صهيون" على أنها وثيقة حقيقية، دون أن أدري أن تزويرها مثبت علميا منذ 90 سنة!
لم أكن أدرك وقتها أن نظريات المؤامرة هي "أفيون الشعوب".
تبرير لفشلهم عن طريق إلقاء التبعة على "الآخر".
فإن شعر العمال الحرفيون في أمريكا بالفشل في مواكبة الصناعات الحديثة، على سبيل المثال، فإن التبرير المفضل عندهم هو أن الأغنياء يتآمرون عليهم بالتعاون مع الصين.
وإن شعر السود بأنهم أقلية فقيرة ومتأخرة، فإنهم يلقون بالمسؤولية على الرجل الأبيض، ويقولون أنه "يتآمر عليهم".
وإن شعر المتدينون في أمريكا بأن الشباب ينحرف عن الدين ويميل للمجون، فإن التبرير المفضل عندهم هو وجود جماعة سرية تنشر الإباحية لأنها متحالفة مع الشيطان! ويرفضون دراسة الأسباب الاجتماعية والثقافية لظاهرة الانحراف عن الدين.
وبالإضافة لهذا، فإن نظريات المؤامرة مرتبطة بالنظرة الدونية للنفس. فهي تجعل "الآخرين" هم العباقرة و"نحن" لا شيء.
وبالتالي تساهم في نشر الهزيمة النفسية، والسلبية، والنظرة السوداوية.. وتجعل الشخص مصابا بـ بارانويا حادة ومزمنة، ويشعر أن هناك "قوى خفية" تضطهده.
التخلف والانهزام سببهما أفعالنا وأفكارنا في المقام الأول.. وعلينا كعرب أن نتحلى بالشجاعة وأن نعترف بهذا.
علينا أن نصبح واقعيين كما كان أجدادنا.. وأن نتوقف عن لوم العالم، وعن تعليق تدهورنا على شماعة الآخرين.
فطوفان المعلومات يحمل الغثاء كما يحمل الماء. ويؤدي للغرق كما أنه يروي العطش.
وإذا كان عقل المرء فارغا وصفرا، فتواصله مع مليون من نفس نوعيته لن يؤدي إلا إلى تراكم الأصفار.
وهذا هو الحال في أغلب مواقع الإنترنت والمنتديات وفيديوهات اليوتيوب المهتمة بالنظريات التآمرية.
أغلبهم عرضة للوقوع في مصيدة محبي الشهرة من أمثال "أليكس جونز"، الذي يجمع تبرعات بالملايين لتمويل امبراطوريته الإعلامية، وينشر اليأس والأوهام، ويخيف متابعيه بتهويل أخبار الأوبئة والكوارث الاقتصادية يوميا.
الفئة المهووسة بالمؤامرات لا تبحث عن الحقيقة كما يظن أفرادها، بل يبحثون عن تسلية (بالمعنى الشائع للكلمة: "ترفيه"، وبمعنى: "نسيان الهم")
فعلى سبيل المثال، بدلا من دراسة أسباب ونتائج الثورة الأمريكية ودور الرئيس جورج واشنطن في إقامة الإمبراطورية الأمريكية الحالية، نجدهم يضيعون جهودهم في بحث نظرية "هل قام آدم وايزهاوبت، المؤسس الرسمي لجماعة الإيلوميناتي المتنورين، بانتحال شخصية واشنطن، للشبه بينهما، وحكم الولايات المتحدة بدلا منه في السر؟"!
فيجمعون بين الوهم العبثي وبين إيجاد متنفس لعجزهم عن منافسة العلو الأمريكي.
ونفس الشيء في نظرية بعضهم عن أن ملكة بريطانيا هي في الحقيقة من الزواحف الشيطانية المتنكرة في شكل إنسان!
أو نظريتهم عن أن الدجال خرج فعلا وأنه يحكم العالم الآن في السر!
إن أصحاب هذه النظريات "العبقرية" يرفضون قراءة الكتب العلمية والتاريخية المتعارف عليها بين المتخصصين، ويفضلون نظرية "الأرض المسطحة"، وقصص الكائنات الفضائية.
يميلون لمن يقول لهم أن تكنولوجيا أمريكا السرية تتحكم في العواصف والزلازل والأمطار، وأن البشر لم يصعدوا للقمر في الـ 6 مرات المعروفة، وأن الهولوكوست لم يحدث.
وبعضهم يستورد النظريات الشعبية الغربية، والتي لا تمسنا بشكل مباشر، ثم ينشغل بها.
فما يهمنا مثلا من معرفة القاتل الحقيقي لجون كينيدي؟!
نعم هي مسألة غامضة ومحاطة بكم هائل من الأكاذيب الحكومية والصراع الخفي على السلطة من وراء الستار في تلك الفترة، لكنها أولا وأخيرا تهم المواطن الأمريكي لا المواطن العربي المسلم.
حتى القضايا الأمريكية المتصلة بالعرب بشكل ما، كقضية اغتيال الفلسطيني المسيحي سرحان بشارة سرحان لروبرت كينيدي (أخو الرئيس، وكان مرشحا للرئاسة) تحت تأثير التنويم المغناطيسي، فنحن فيها عالة على المقالات والكتب الأمريكية المعاصرة للحادث، وقدرتنا على التأثير في القضية محدودة للغاية.
مثال آخر: ماذا لو نجحت في جمع أدلة لا تدع مجالا للشك في أن مسرحيات شكسبير كتبها في الحقيقة أحد أفراد البلاط الملكي، فرنسيس بيكون، تحت اسم مستعار، كي يحفظ مكانته الاجتماعية ولا يخلطها بفئة الممثلين المحتقرة مجتمعيا وقتها؟
ما النفع العائد على القارئ المسلم من هذا الموضوع التاريخي الأدبي البريطاني؟!
كم قارئ عربي يقرأ نصوص شيكسبير الأصلية أساسا؟!
لو أراد الباحث فعلا كشف حقيقة شخصية تاريخية تحيطها هالة زائفة، فليوجه جهوده لدراسة ابن سينا مثلا وأثر أفكاره الباطنية على المجتمع الإسلامي!
أما المهووسون بالمؤامرة فيفضلون تمضية الوقت في جمع صور الشخصيات السياسية الشهيرة التي تشير بيدها بعلامة "القرنين"، (والتي تسمى في موسيقى الروك أند رول "قرون الشيطان"، وتعتبر شعارا شعبيا عند سكان ولاية تكساس، المشهورة بتربية الماشية وبرعاة البقر) لأنهم يظنونها علامة شيطانية سرية بين "المتآمرين المتحكمين في العالم"!
ما يقوم به هؤلاء هو محاولة إيجاد تبرير بسيط وساذج للأحداث العالمية. فجورج بوش الأب وجورج بوش الابن، كلاهما كان يعمل في تكساس وكلاهما احتل العراق وقتل أهلها وسرق ثرواتها.. لكن بالتأكيد لن يكون الطريق لفهم دوافعهما هو جمع صور لهما وهما يشيران للجماهير برمز الولاية أثناء حملة انتخابية!
فهذا التبسيط المخل يجعل أتباع نظريات المؤامرة أضحوكة ولا شك.
بالإضافة لخلل طريقتهم في التفكير، فإن المصابين بهوس نظريات المؤامرة تنتشر بينهم المعلومات المغلوطة و"أنصاف الحقائق"..
ولهذا تأتي نظرياتهم وأدلتها بعيدة عن السياق الحقيقي الواقعي.
فنجد مثلا أن أحد المسلمات عندهم، والتي يتفقون جميعا عليها، هي أن "النظام العالمي الجديد" هي كلمة شيطانية ماسونية ترمز لمؤامرة إخضاع العالم كله تحت حكومة واحدة عالمية. وأنه لهذا السبب الكلمة مكتوبة على الدولار الأمريكي، وصرح بها بوش الأب في إحدى خطبه.
أما الحقيقة فمختلفة عن ظنونهم هذه.
الجملة المكتوبة باللاتينية على الدولار هي "نوفوس أوردو سيكلورم"، وهي جزء من الأدب اللاتيني (ملحمة إنيادة فيرجيل)، وتعني "ترتيب جديد للعصور".
ومعناها في سياق التاريخ الأمريكي واضح وبسيط جدا، لو كانوا يعقلون.
فالثورة الأمريكية على الملك جورج البريطاني 1776 كانت تعلن أنها نظام سياسي جديد يختلف عما ألفته أوروبا لقرون طويلة.. أي تحول من الملكية إلى الجمهورية، مع استلهام أفكار الإغريق القديمة عن جمهورية أثينا.
وفوق هذه الجملة توجد جملة أخرى ترجمتها هي "هو بارك مساعينا". وهي تعكس المشاعر الأمريكية بعد نجاح الثورة واستقلال أمريكا عن بريطانيا.. حيث ساد شعور عام أن المشروع السياسي نجح بمباركة الرب، وأن العناية الإلهية كانت ظاهرة في انتصار الجيش الأمريكي على الجيش البريطاني.
أما مهاويس المؤامرة في الغرب والشرق فلم يستطيعوا ترجمة هذه الجمل ولا فهموا سياقها التاريخي، فظنوا أنها تقول: "إعلان قدوم.. النظام العالمي الجديد"!
أما النظام العالمي الجديد الذي كان يقصده بوش الأب في خطبته في أوائل التسعينيات، فسياقه واضح ومعروف. وهو سياق انتصار أمريكا في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي الشيوعي الذي انهار بعد فشله في احتلال أفغانستان في الثمانينيات، وبعد فشل النظرية الماركسية الإلحادية عند التطبيق العملي.
فظل العالم لعشرات السنين مقسوما بين كتلة شرقية تابعة للروس وكتلة غربية تابعة لأمريكا وأوروبا، في تذبذب بين "قطبين عالميين"، كلاهما يستغل أتباعه في حروب بالوكالة، عن بعد، دون أن يخاطر بمواجهة علنية نووية شاملة.
ولما انهار السوفييت كانت خطبة بوش تدعو لنظام مختلف عن نظام القطبين، نظام عالمي جديد يسمح للجميع بالمشاركة.. وهي خطبة فارغة كعادة خطب السياسيين، تبيع الوهم بكلمات براقة وتحاول إخفاء الميول الاستعمارية الأمريكية المعروفة..
لكنها ليست "إشارة لمؤامرة خفية" كما يظن أتباع التفكير التآمري.
معرفتي بعقلية أتباع نظريات المؤامرة عائدة إلى حقيقة بسيطة، هي أني كنت واحدا منهم فيما مضى!
كنت أقرأ لـ وليم جاي كار و Eustace Mullins و David Livingstone، وأعامل "بروتوكولات صهيون" على أنها وثيقة حقيقية، دون أن أدري أن تزويرها مثبت علميا منذ 90 سنة!
لم أكن أدرك وقتها أن نظريات المؤامرة هي "أفيون الشعوب".
تبرير لفشلهم عن طريق إلقاء التبعة على "الآخر".
فإن شعر العمال الحرفيون في أمريكا بالفشل في مواكبة الصناعات الحديثة، على سبيل المثال، فإن التبرير المفضل عندهم هو أن الأغنياء يتآمرون عليهم بالتعاون مع الصين.
وإن شعر السود بأنهم أقلية فقيرة ومتأخرة، فإنهم يلقون بالمسؤولية على الرجل الأبيض، ويقولون أنه "يتآمر عليهم".
وإن شعر المتدينون في أمريكا بأن الشباب ينحرف عن الدين ويميل للمجون، فإن التبرير المفضل عندهم هو وجود جماعة سرية تنشر الإباحية لأنها متحالفة مع الشيطان! ويرفضون دراسة الأسباب الاجتماعية والثقافية لظاهرة الانحراف عن الدين.
وبالإضافة لهذا، فإن نظريات المؤامرة مرتبطة بالنظرة الدونية للنفس. فهي تجعل "الآخرين" هم العباقرة و"نحن" لا شيء.
وبالتالي تساهم في نشر الهزيمة النفسية، والسلبية، والنظرة السوداوية.. وتجعل الشخص مصابا بـ بارانويا حادة ومزمنة، ويشعر أن هناك "قوى خفية" تضطهده.
التخلف والانهزام سببهما أفعالنا وأفكارنا في المقام الأول.. وعلينا كعرب أن نتحلى بالشجاعة وأن نعترف بهذا.
علينا أن نصبح واقعيين كما كان أجدادنا.. وأن نتوقف عن لوم العالم، وعن تعليق تدهورنا على شماعة الآخرين.
تعليقات
إرسال تعليق