فرعون ذو الأوتاد
قد يبدو كتاب "فرعون ذو الأوتاد" أجنبيا عن المكتبة العربية الحديثة، لأنه بحث حقيقي جاد وشيق ومحايد، وهي صفات شبه معدومة في كتب العرب الآن.. هذا طبعا عندما ينشرون شيئا أصلا!
ربما يكون السبب هو أن مؤلفه (أحمد سعد الدين) يجمع بين التخرج من الجامعة الأمريكية وبين الثقافة الإسلامية الحقيقية.. أي بين حب الغرب للدقة والتجديد وبين اعتماد المسلمين على معارف راسخة مستمدة من الوحي. وهذا المزج - بالمناسبة - هو الحل الوحيد للوصول لثقافة معاصرة عربية جديدة، بعيدة عن الشك وعن الجمود في نفس الوقت.
أو كما قالت هانا مونتانا: The Best of Both Worlds !!
=====
ربما يكون السبب هو أن مؤلفه (أحمد سعد الدين) يجمع بين التخرج من الجامعة الأمريكية وبين الثقافة الإسلامية الحقيقية.. أي بين حب الغرب للدقة والتجديد وبين اعتماد المسلمين على معارف راسخة مستمدة من الوحي. وهذا المزج - بالمناسبة - هو الحل الوحيد للوصول لثقافة معاصرة عربية جديدة، بعيدة عن الشك وعن الجمود في نفس الوقت.
أو كما قالت هانا مونتانا: The Best of Both Worlds !!
=====
مأساة العرب هي فصلهم بين فروع المعرفة. فالشخصية الموسوعية انقرضت تقريبا، مع أنها هي الشخصية التي قامت على أكتافها النهضة في كل العصور.
فقلما تجد الآن من يستطيع كتابة موسوعة كبيرة مثل موسوعة نهاية الأرب في فنون الأدب، أو من يستطيع أن يكتب كالجاحظ في علم الأحياء وفي الفكاهة وفي البلاغة في نفس الوقت.
فستجد مثلا أن المؤلف العربي المتخصص في البيولوجي جاهل تماما بتناقض ما يظنه "حقائق" علمية مع مسلمات وبديهيات إسلامية يؤمن هو بها. ويقوم عقله الباطن بالتخلص من الإشكال عن طريق الفصل التام بين البيولوجي والتفسير، فيعيش في داخله في حالة تناقض دائم ستجعله عاجزا - بلا شك - عن تقديم الجديد سواء في البيولوجي أو في التفسير!
ومن أمثلة هذه التناقضات ما شعرنا به جميعا عندما كنا صغارا نقرأ ما يقال لنا عن المصريين القدماء ثم نقرأ قصة موسى وفرعون، فنشعر بأن كتاب التاريخ يجهل موسى تماما أو يتجاهله.
وقد حاول بعض حسني النية حل الإشكال فزادوا الطين بلة! لأنهم - وغالبهم من فرقة الإعجازيين - اعتمدوا على أن النظريات التاريخية الغربية هي الأصل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن دورهم هو التوفيق التعسفي بين نصوص الوحي وبين تلك النظريات، بالتأويل والتحوير ولا أكون مبالغا إن وصفت بعض ما كتبوه بأنه تحريف أيضا وصرف للنص القرآني أو النبوي عن معناه الواضح الصريح!
ثم ظهرت فرقة أخرى تنقل استنتاجات غربيين اعتمدوا على النص التوراتي، فجعلوا فرعون فرعونين، وجعلوا امرأة فرعون هي ابنة فرعون، وما إلى ذلك من تفاصيل القصص التوراتي التي تعوزها الدقة، والتي كتبها مجموعة من كهنة اليهود من الذاكرة وادعوا أنها النص المقدس الذي جاءهم من الرب.
ولا تتعجب من اعتماد الغربيين - حتى الملحدين منهم - على القصص التوراتي التاريخي.. فالتوراة والإنجيل هي الخلفية الثقافية التي قامت عليها أوروبا، ولا يسعهم التخلي عنها أو الخروج من أسرها تماما، حتى إن حاولوا.
وحيث أن الأصل (أي التوراة) محرف ومتناقض، فطبيعي أن الاستنتاجات المبنية عليه أو المهتدية بهداه - مهما كانت دقيقة ومحايدة - تكون مشوبة بالخطأ بدرجة أو بأخرى.
فضلا عن أن التاريخ المصري القديم بالذات يتم تصحيحه كل بضعة سنوات، ويتم التراجع عن معلومات كان الوسط العلمي يظنها "حقائق".. كما يحدث مثلا في مسألة مومياء إخناتون ومسألة بنوة توت عنخ أمون له، بالإضافة لظهور برديات جديدة مكتشفة تصحح قواميس اللغة المصرية المطبوعة قديما وتعدل عليها.
أما نحن - المسلمين - فعندنا نصوص وحي تتميز بالدقة، لم تحرف، محفوظة حفظا إلهيا، وكل ما علينا هو دراسة النظريات التاريخية الغربية على هدى الوحي فنصل للحقيقة عاجلا أو آجلا.
لكن بسبب عقدة الخواجة وعقد النقص التي نعاني منها فلن تجد في السوق إلا نوعين:
الأول يعتمد تماما على فهم الغربيين للتاريخ، والمستوحى بالضرورة من فهمهم للتوراة.
والثاني ساذج، تخطر له النظرية "العبقرية" فينشرها دون تدقيق ولا تحقيق، فيخدع آلاف البسطاء ويجعلهم يعتقدون أن خوفو كان عملاقا طوله عشرات الأمتار، أو أن الكائنات الفضائية بنت الهرم، أو أن الرموز الهيروغليفية هي حروف عربية قرآنية تتحدث عن صلاة الظهر وحج البيت الحرام!!
وغالبا تجدهم يعتمدون على منشورات بحثية قديمة، ككتب بدج وأمثاله، ممن تجاوزهم علم المصريات تماما من عشرات السنين. والسبب طبعا هو أن الوصول لأحدث المعلومات صعب ويحتاج جهدا وبحثا وكدا حقيقيا لا يعرفه إلا من عاناه، في حين أنهم نتاج ثقافة عربية معاصرة تمقت البحث والتدقيق وتريد الاتكال على نظريات مؤامرة وخرافات وأنصاف حقائق، لأنها أسهل وبعيدة عن التعقيد الأكاديمي!
ولكل ما سبق فإن كتاب "فرعون ذو الأوتاد" يعد فريدا، ويجب دعم مؤلفه قدر المستطاع، حتى لا يصاب بالإحباط ويغرق كتابه وسط أمواج الكتابات التافهة المسيطرة على الساحة اليوم.
فقلما تجد الآن من يستطيع كتابة موسوعة كبيرة مثل موسوعة نهاية الأرب في فنون الأدب، أو من يستطيع أن يكتب كالجاحظ في علم الأحياء وفي الفكاهة وفي البلاغة في نفس الوقت.
فستجد مثلا أن المؤلف العربي المتخصص في البيولوجي جاهل تماما بتناقض ما يظنه "حقائق" علمية مع مسلمات وبديهيات إسلامية يؤمن هو بها. ويقوم عقله الباطن بالتخلص من الإشكال عن طريق الفصل التام بين البيولوجي والتفسير، فيعيش في داخله في حالة تناقض دائم ستجعله عاجزا - بلا شك - عن تقديم الجديد سواء في البيولوجي أو في التفسير!
ومن أمثلة هذه التناقضات ما شعرنا به جميعا عندما كنا صغارا نقرأ ما يقال لنا عن المصريين القدماء ثم نقرأ قصة موسى وفرعون، فنشعر بأن كتاب التاريخ يجهل موسى تماما أو يتجاهله.
وقد حاول بعض حسني النية حل الإشكال فزادوا الطين بلة! لأنهم - وغالبهم من فرقة الإعجازيين - اعتمدوا على أن النظريات التاريخية الغربية هي الأصل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن دورهم هو التوفيق التعسفي بين نصوص الوحي وبين تلك النظريات، بالتأويل والتحوير ولا أكون مبالغا إن وصفت بعض ما كتبوه بأنه تحريف أيضا وصرف للنص القرآني أو النبوي عن معناه الواضح الصريح!
ثم ظهرت فرقة أخرى تنقل استنتاجات غربيين اعتمدوا على النص التوراتي، فجعلوا فرعون فرعونين، وجعلوا امرأة فرعون هي ابنة فرعون، وما إلى ذلك من تفاصيل القصص التوراتي التي تعوزها الدقة، والتي كتبها مجموعة من كهنة اليهود من الذاكرة وادعوا أنها النص المقدس الذي جاءهم من الرب.
ولا تتعجب من اعتماد الغربيين - حتى الملحدين منهم - على القصص التوراتي التاريخي.. فالتوراة والإنجيل هي الخلفية الثقافية التي قامت عليها أوروبا، ولا يسعهم التخلي عنها أو الخروج من أسرها تماما، حتى إن حاولوا.
وحيث أن الأصل (أي التوراة) محرف ومتناقض، فطبيعي أن الاستنتاجات المبنية عليه أو المهتدية بهداه - مهما كانت دقيقة ومحايدة - تكون مشوبة بالخطأ بدرجة أو بأخرى.
فضلا عن أن التاريخ المصري القديم بالذات يتم تصحيحه كل بضعة سنوات، ويتم التراجع عن معلومات كان الوسط العلمي يظنها "حقائق".. كما يحدث مثلا في مسألة مومياء إخناتون ومسألة بنوة توت عنخ أمون له، بالإضافة لظهور برديات جديدة مكتشفة تصحح قواميس اللغة المصرية المطبوعة قديما وتعدل عليها.
أما نحن - المسلمين - فعندنا نصوص وحي تتميز بالدقة، لم تحرف، محفوظة حفظا إلهيا، وكل ما علينا هو دراسة النظريات التاريخية الغربية على هدى الوحي فنصل للحقيقة عاجلا أو آجلا.
لكن بسبب عقدة الخواجة وعقد النقص التي نعاني منها فلن تجد في السوق إلا نوعين:
الأول يعتمد تماما على فهم الغربيين للتاريخ، والمستوحى بالضرورة من فهمهم للتوراة.
والثاني ساذج، تخطر له النظرية "العبقرية" فينشرها دون تدقيق ولا تحقيق، فيخدع آلاف البسطاء ويجعلهم يعتقدون أن خوفو كان عملاقا طوله عشرات الأمتار، أو أن الكائنات الفضائية بنت الهرم، أو أن الرموز الهيروغليفية هي حروف عربية قرآنية تتحدث عن صلاة الظهر وحج البيت الحرام!!
وغالبا تجدهم يعتمدون على منشورات بحثية قديمة، ككتب بدج وأمثاله، ممن تجاوزهم علم المصريات تماما من عشرات السنين. والسبب طبعا هو أن الوصول لأحدث المعلومات صعب ويحتاج جهدا وبحثا وكدا حقيقيا لا يعرفه إلا من عاناه، في حين أنهم نتاج ثقافة عربية معاصرة تمقت البحث والتدقيق وتريد الاتكال على نظريات مؤامرة وخرافات وأنصاف حقائق، لأنها أسهل وبعيدة عن التعقيد الأكاديمي!
ولكل ما سبق فإن كتاب "فرعون ذو الأوتاد" يعد فريدا، ويجب دعم مؤلفه قدر المستطاع، حتى لا يصاب بالإحباط ويغرق كتابه وسط أمواج الكتابات التافهة المسيطرة على الساحة اليوم.
تعليقات
إرسال تعليق