ثابت ودائر
المجلس العاشر الذي جمع بين "ثابت بن قرار" و"دائر بن غبار"، خلال سلسلة حواراتهم، الممتدة على مدار أيام، حول موضوع الأرض والسماء والثبات والدوران
ثابت: دعنا نكمل من حيث وقفنا في لقائنا الماضي، عندما تطرق بنا الكلام إلى مسألة ثبات الأرض في القرآن.
قلت أنا أن الله لم ينسب للأرض حركة دورانية ولا انتقالية إطلاقا في أي آية.. ولم يرد عن الرسول ولا عن الصحابة ولا التابعين أي شيء من ذلك.. فرددت أنت أنه من المحتمل أن المسألة تم إخفاؤها بسبب ضعف قدرة الصحابة على استيعابها وقتها، وأن إيمان المسلمين كان من الممكن أن يهتز إن صرح لهم الله بأن الأرض دائرة بهم تترنح في الفضاء!
فكان ردي هو تذكيرك بأن الله والرسول ذكروا أمورا أصعب في التصديق من هذا، وقبلها الصحابة والمسلمون ورفضها الكفار والمشركون.. فآمنوا بأن الرسول ركب البراق ووصل للشام في لحظات ثم صعد للسماوات السبع. وأن الإنسان سيعود جسده للحياة يوم القيامة على الرغم من شيوع الاعتقاد بين الناس وقتها بأن الموتى لا يعودون. وأن البدو الرعاة سيحكمون العالم وتصبح لهم مملكة واسعة في غضون سنين قليلة، على عكس المنطقي المتعارف عليه من احتياج الأمم لسنين طويلة لإعداد نفسها حضاريا والانتصار عسكريا وثقافيا على الأمم الشهيرة كالفرس والروم. وأن الشيطان يجري في دم الإنسان، وأن كل إنسان محاط بملائكة وشياطين لا يراهم، وغير هذا كثير من الأمور التي تم كشفها ولم يتزعزع إيمان الصحابة بل سمعوها فصدقوا الله والرسول.
فلو كان أخبرهم أن الأرض كوكبا من الكواكب وأن حركة الشمس المشاهدة هي وهم سببه حركة الأرض، فكانوا سيصدقون ويقبلون.
وحيث أنه لم يقل، بل قال بالعكس الموافق للفطرة والرصد، فحجتك لا معنى لها! بل وتعبر عن نظرة دونية منك لجيل الصحابة، واستعلاء على أفهامهم وعبقريتهم وقدراتهم الذهنية التي تفوق - في الحقيقة - قدرات أجيالنا الآن.. خصوصا فهمهم للغة وذاكرتهم القوية وبديهتهم وفراستهم وقوتهم وصفاء جوهم ونظافة طعامهم من المسرطنات والمبيدات التي تلوثت بها أجسادنا الآن فأضعفت قدراتنا مقارنة بقدراتهم، إلى آخر ذلك مما لا يخفى عليك.
فالنظر لجيل العرب أيام الرسول على أنهم كانوا سذجا هو - اعذرني - عين السذاجة منك!
ثم أن سنة الله معروفة وتخالف حجتك هذه! إذ كان تحويل القبلة من بيت المقدس للكعبة فتنة وأدى لتشكيك بعض ضعاف الإيمان في الإسلام، تماما كما حدث مع قصة الإسراء والمعراج.. فهل امتنع الله عن تغيير القبلة مع علمه بأن المسألة ستشكك البعض؟! لا طبعا.
بل وانظر لعلم الله أن إحياء عيسى عليه السلام للموتى سيكون فتنة لبعض الناس فيعبدونه كإله.. فهل منع الله عيسى من إحياء الموتى ونفخ الطين فيصير طيرا حيا لمجرد أن هذا سيؤدي لفتن؟!.. لا طبعا
فالحياة ابتلاء وفتنة واختبار وامتحان.. وضعاف الإيمان لا يلومون إلا أنفسهم.
فلو كانت الأرض تدور لما كان الله ليحجب هذه المسألة عن الرسل والصحابة كما تظن أنت!
دائر: تكلمت فأطلت، لكن يبدو فعلا أن الحق معك في هذه المسألة. كل ما قصدته أنا في السابق هو أن الرسل والصحابة ربما كانت عقولهم قاصرة عن استيعاب الحقائق الفلكية الكونية التي توصل لها الغربيون أمثال جاليليو وهابل وهوكينج. فربما تم حجب حقيقة دوران الأرض لأنها مسألة لا فائدة ولا طائل منها دينيا.. وربما تم حجبها كسر عن الرسل والصحابة والمسلمين القدامى لأنها قد تغير نظرة الإنسان لنفسه وموقعه من الكون، فيرى نفسه نكرة بعد أن كان مركز الكون.
ثابت: أوقعت نفسك في أخطاء أخشى على دينك من عاقبتها!.. تلك النظرة الاستعلائية المسيطرة عليك تذكرني بخطيئة إبليس الأولى.. الكبر!
وما هؤلاء الذين تعظم نظرياتهم سوى بشر، عقولهم محدودة، وأغلبهم يغلب عليهم الكفر الصريح البواح. ففكرة أن حقائق السماء تكشفت لهم وحجبت عن رسل السماء هي فكرة سخيفة أشد السخافة ما كنت أتوقعها منك وأنت تدعي حب العلم والعقل والمنطق!
دائر: دعنا من هذا المبحث الآن ولنأخذ في نقاش غيره، كي لا تتعكر النفوس وتتغير القلوب.
قلت أن نظرية دوران الأرض تشير إلى أن حركة الشمس اليومية المشاهدة بالرصد هي حركة وهمية، وهذا فعلا هو ما تقول النظرية.. لكن هل الوهم عيب؟ أليس من الممكن أن الكون فعلا كان يمارس خدعة كونية هائلة على البشر طوال آلاف السنين من أيام آدم، ليوحي لهم بأن الأجرام تدور حول الأرض الثابتة، ثم لما زاد عقل الإنسان وتطور نجح في اكتشاف الخدعة.. كمشاهد ذكي يكشف طريقة الساحر وخفة يده؟
ثابت: أي كلام هذا؟! خلق السماوات ليس عبثا ولا فقرة ترفيهية في عرض سحري!.. وأراك تنسب الخداع للكون وكأنك تتحاشى مرادك الحقيقي.. فما الكون إلا مخلوق خلقه رب الكون وأتقن حركاته!..
لا زلت تنحدر لدركات بعد دركات.
هل تعرف حديث يوشع بن نون عليه السلام عندما دعا الله ووجه كلامه للشمس فوقفت إلى أن يتم غزوة من غزوات بني إسرائيل، لينتصروا قبل حلول ليلة السبت المحرم عليهم فيها القتال؟
هل كان يوشع جاهلا بأن المتحرك فعلا - حسب نظريتك - هو الأرض لا الشمس، فوجه كلامه للجسم الخاطئ؟!
هل خدعه الله وأخفى عنه معلومة هامة كهذه، ثم كشفها لكوبرنيكوس؟!
ما لكم كيف تحكمون؟
دائر: الإنسان يتحسن ويصبح أفضل من القدماء. هذه حقيقة لا أشك فيها. فطبيعي أن يكون المعاصرون أعلم من القدماء.
ثابت: هل سمعت حديث: لا يأتي على الناس زمان إلا وبعده شر منه، حتى تلقوا ربكم؟ وتعرف أن تفسيره هو موت العلماء وانتشار الجهل
وهل سمعت آية: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا ؟
قانون الاطراد هذا الذي تتصوره هو قانون خاطئ، وأظنه من المنتجات الثقافية لنظرية دارون المتعوسة.
دائر: تعلم أني لست متعمقا في علوم التفسير والحديث، وأن أدواتي هي المعادلة والنظرية لا المتون والأسانيد.. وربما نجعل موضوعنا التالي هو الفصل بين العلم والدين، وتعارض العقل والنقل.. لكنه مبحث لا يتسع المقام للبدء فيه الآن، فعلينا المواصلة في مجلس قادم بإذن الله
ثابت: كما تشاء. وإن كنت أخشى أن "الجواب باين من عنوانه"
ثابت: دعنا نكمل من حيث وقفنا في لقائنا الماضي، عندما تطرق بنا الكلام إلى مسألة ثبات الأرض في القرآن.
قلت أنا أن الله لم ينسب للأرض حركة دورانية ولا انتقالية إطلاقا في أي آية.. ولم يرد عن الرسول ولا عن الصحابة ولا التابعين أي شيء من ذلك.. فرددت أنت أنه من المحتمل أن المسألة تم إخفاؤها بسبب ضعف قدرة الصحابة على استيعابها وقتها، وأن إيمان المسلمين كان من الممكن أن يهتز إن صرح لهم الله بأن الأرض دائرة بهم تترنح في الفضاء!
فكان ردي هو تذكيرك بأن الله والرسول ذكروا أمورا أصعب في التصديق من هذا، وقبلها الصحابة والمسلمون ورفضها الكفار والمشركون.. فآمنوا بأن الرسول ركب البراق ووصل للشام في لحظات ثم صعد للسماوات السبع. وأن الإنسان سيعود جسده للحياة يوم القيامة على الرغم من شيوع الاعتقاد بين الناس وقتها بأن الموتى لا يعودون. وأن البدو الرعاة سيحكمون العالم وتصبح لهم مملكة واسعة في غضون سنين قليلة، على عكس المنطقي المتعارف عليه من احتياج الأمم لسنين طويلة لإعداد نفسها حضاريا والانتصار عسكريا وثقافيا على الأمم الشهيرة كالفرس والروم. وأن الشيطان يجري في دم الإنسان، وأن كل إنسان محاط بملائكة وشياطين لا يراهم، وغير هذا كثير من الأمور التي تم كشفها ولم يتزعزع إيمان الصحابة بل سمعوها فصدقوا الله والرسول.
فلو كان أخبرهم أن الأرض كوكبا من الكواكب وأن حركة الشمس المشاهدة هي وهم سببه حركة الأرض، فكانوا سيصدقون ويقبلون.
وحيث أنه لم يقل، بل قال بالعكس الموافق للفطرة والرصد، فحجتك لا معنى لها! بل وتعبر عن نظرة دونية منك لجيل الصحابة، واستعلاء على أفهامهم وعبقريتهم وقدراتهم الذهنية التي تفوق - في الحقيقة - قدرات أجيالنا الآن.. خصوصا فهمهم للغة وذاكرتهم القوية وبديهتهم وفراستهم وقوتهم وصفاء جوهم ونظافة طعامهم من المسرطنات والمبيدات التي تلوثت بها أجسادنا الآن فأضعفت قدراتنا مقارنة بقدراتهم، إلى آخر ذلك مما لا يخفى عليك.
فالنظر لجيل العرب أيام الرسول على أنهم كانوا سذجا هو - اعذرني - عين السذاجة منك!
ثم أن سنة الله معروفة وتخالف حجتك هذه! إذ كان تحويل القبلة من بيت المقدس للكعبة فتنة وأدى لتشكيك بعض ضعاف الإيمان في الإسلام، تماما كما حدث مع قصة الإسراء والمعراج.. فهل امتنع الله عن تغيير القبلة مع علمه بأن المسألة ستشكك البعض؟! لا طبعا.
بل وانظر لعلم الله أن إحياء عيسى عليه السلام للموتى سيكون فتنة لبعض الناس فيعبدونه كإله.. فهل منع الله عيسى من إحياء الموتى ونفخ الطين فيصير طيرا حيا لمجرد أن هذا سيؤدي لفتن؟!.. لا طبعا
فالحياة ابتلاء وفتنة واختبار وامتحان.. وضعاف الإيمان لا يلومون إلا أنفسهم.
فلو كانت الأرض تدور لما كان الله ليحجب هذه المسألة عن الرسل والصحابة كما تظن أنت!
دائر: تكلمت فأطلت، لكن يبدو فعلا أن الحق معك في هذه المسألة. كل ما قصدته أنا في السابق هو أن الرسل والصحابة ربما كانت عقولهم قاصرة عن استيعاب الحقائق الفلكية الكونية التي توصل لها الغربيون أمثال جاليليو وهابل وهوكينج. فربما تم حجب حقيقة دوران الأرض لأنها مسألة لا فائدة ولا طائل منها دينيا.. وربما تم حجبها كسر عن الرسل والصحابة والمسلمين القدامى لأنها قد تغير نظرة الإنسان لنفسه وموقعه من الكون، فيرى نفسه نكرة بعد أن كان مركز الكون.
ثابت: أوقعت نفسك في أخطاء أخشى على دينك من عاقبتها!.. تلك النظرة الاستعلائية المسيطرة عليك تذكرني بخطيئة إبليس الأولى.. الكبر!
وما هؤلاء الذين تعظم نظرياتهم سوى بشر، عقولهم محدودة، وأغلبهم يغلب عليهم الكفر الصريح البواح. ففكرة أن حقائق السماء تكشفت لهم وحجبت عن رسل السماء هي فكرة سخيفة أشد السخافة ما كنت أتوقعها منك وأنت تدعي حب العلم والعقل والمنطق!
دائر: دعنا من هذا المبحث الآن ولنأخذ في نقاش غيره، كي لا تتعكر النفوس وتتغير القلوب.
قلت أن نظرية دوران الأرض تشير إلى أن حركة الشمس اليومية المشاهدة بالرصد هي حركة وهمية، وهذا فعلا هو ما تقول النظرية.. لكن هل الوهم عيب؟ أليس من الممكن أن الكون فعلا كان يمارس خدعة كونية هائلة على البشر طوال آلاف السنين من أيام آدم، ليوحي لهم بأن الأجرام تدور حول الأرض الثابتة، ثم لما زاد عقل الإنسان وتطور نجح في اكتشاف الخدعة.. كمشاهد ذكي يكشف طريقة الساحر وخفة يده؟
ثابت: أي كلام هذا؟! خلق السماوات ليس عبثا ولا فقرة ترفيهية في عرض سحري!.. وأراك تنسب الخداع للكون وكأنك تتحاشى مرادك الحقيقي.. فما الكون إلا مخلوق خلقه رب الكون وأتقن حركاته!..
لا زلت تنحدر لدركات بعد دركات.
هل تعرف حديث يوشع بن نون عليه السلام عندما دعا الله ووجه كلامه للشمس فوقفت إلى أن يتم غزوة من غزوات بني إسرائيل، لينتصروا قبل حلول ليلة السبت المحرم عليهم فيها القتال؟
هل كان يوشع جاهلا بأن المتحرك فعلا - حسب نظريتك - هو الأرض لا الشمس، فوجه كلامه للجسم الخاطئ؟!
هل خدعه الله وأخفى عنه معلومة هامة كهذه، ثم كشفها لكوبرنيكوس؟!
ما لكم كيف تحكمون؟
دائر: الإنسان يتحسن ويصبح أفضل من القدماء. هذه حقيقة لا أشك فيها. فطبيعي أن يكون المعاصرون أعلم من القدماء.
ثابت: هل سمعت حديث: لا يأتي على الناس زمان إلا وبعده شر منه، حتى تلقوا ربكم؟ وتعرف أن تفسيره هو موت العلماء وانتشار الجهل
وهل سمعت آية: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا ؟
قانون الاطراد هذا الذي تتصوره هو قانون خاطئ، وأظنه من المنتجات الثقافية لنظرية دارون المتعوسة.
دائر: تعلم أني لست متعمقا في علوم التفسير والحديث، وأن أدواتي هي المعادلة والنظرية لا المتون والأسانيد.. وربما نجعل موضوعنا التالي هو الفصل بين العلم والدين، وتعارض العقل والنقل.. لكنه مبحث لا يتسع المقام للبدء فيه الآن، فعلينا المواصلة في مجلس قادم بإذن الله
ثابت: كما تشاء. وإن كنت أخشى أن "الجواب باين من عنوانه"
تعليقات
إرسال تعليق