مستقبل الجماعات الجهادية في سيناء
من مدونة الصحفي إسماعيل الاسكندراني:
https://ilovesinai.wordpress.com
facebook.com/ismail.alexandrani
النص العربي لمقاله المنشور بالفرنسية في جريدة الأهرام ابدو عدد رأس السنة 31 ديسمبر 2014، ثم أعيد نشره على الموقع الإلكتروني يوم الأربعاء 14 يناير 2015 على الرابط التالي:
http://hebdo.ahram.org.eg/NewsContent/1058/4/132/9182/L%E2%80%99avenir–des-djihadistes-du-Sina%C3%AF.aspx
-----
في مثل هذه الأيام من العام الماضي كانت جماعة “أنصار بيت المقدس” الناشئة في سيناء قد نجحت في عملية استهداف مديرية أمن الدقهلية بمدينة المنصورة في قلب دلتا وادي النيل في ديسمبر 2013، وكانت في طريقها لتنفيذ ثلاث عمليات نوعية في شهر يناير 2014. استهلّ “الأنصار” سنة 2014 في شهرها الأول بثلاثة عمليات؛ وهي: إطلاق عدة صواريخ جراد من سيناء على مدينة إيلات الإسرائيلية، وإسقاط مروحية مقاتلة في شمال سيناء لأول مرة في التاريخ العسكري المصري على يد ميليشيا، واستهداف مديرية أمن العاصمة في حي باب الخلق في قلب القاهرة. كان التحدي سمةً واضحةً في عمليات “الأنصار”؛ سواءً تحدّي الأهداف الأمنية الإقليمية من العمليات العسكرية الموسعة التي بدأها الجيش المصري ضدهم في 7 سبتمبر 2013 أم تحدّي التحذيرات الأمنية المحلية التي وجّهها وزير الداخلية قبيل حلول ذكرى ثورة 25 يناير بعبارته الشهيرة “اللي عايز يجرب يقرب”.
لم تتوقف الاشتباكات والمعارك شبه اليومية بين الجيش وبين جماعة “أنصار بيت المقدس” في سيناء، لكن التغطية الإعلامية لم تتناول سوى العمليات الكبيرة فقط وبعض ما سمحت السلطات بتداوله من أخبار. في فبراير، استهدفت الجماعة حافلة سياحية في جنوب سيناء فقتلت وأصابت العشرات من السياح الكوريين. وفي مارس، نشروا بياناً لنعي قائدهم، توفيق محمد فريج، في إحدى المعارك المسلحة مع قوات الجيش. لكن ذلك لم يؤثر في تنامي قدرات التنظيم الذي توسعت عملياته جغرافياً حتى بلغت واحة الفرافرة في الصحراء الغربية، والساحل الشمالي بين الإسكندرية ومطروح، في أقصى الشمال الغربي من مصر. وأخيراً، اختُتمت السنة بإعلان “الأنصار” البيعة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، المعروف اختصارًا باسم “داعش”، بعد أيام من تنفيذ أضخم عملياتهم ضد القوات النظامية المصرية في نقطة تفتيش “كرم القواديس” في الشمال الشرقي من شبه جزيرة سيناء في الأسبوع الأخير من أكتوبر.
يضاف إلى اطّراد عملياتهم ما تناقلته التقارير الصحفية بعد عملية دمياط البحرية عن انخراط ضباط جيش، سابقين وعاملين، في صفوف مَنْ أصبحوا “ولاية سيناء” التابعة لداعش. وهو تطور خطير لم يصدر عن السلطات أي نفي له، وتؤكده تحليلات الخبراء الذين يرون في أدائهم جمعاً بين خبرات القوات النظامية جنباً إلى جنب مع تكتيكات حروب العصابات والميليشيات. وفي حين تؤكد المصادر الأمنية نجاح الأجهزة الاستخباراتية في إحباط عدة عمليات كبيرة لهم في القاهرة وبعض المدن الأخرى ذات الكثافة السكانية العالية من دون إعلان عن أي من تلك الضربات الاستباقية، يظل الأداء الإعلامي لأجهزة الدولة أضعف بكثيرٍ من التوثيق المرئي الذي يقدمه تنظيم “ولاية سيناء” في إصداراته التي يعلن فيها مسؤوليته عن عملياته الناجحة.
يمكن تلخيص استشراف مستقبل الجماعات الجهادية في سيناء في 2015 في مربع له أربعة أضلاع؛ أولها دلالات إعلان “الأنصار” بيعتهم لداعش وآثارها المحتملة، وثانيها هو قدرة تنظيم “ولاية سيناء” على الحشد والتعبئة في سيناء وخارجها، وثالثها هو الصراعات الجهادية – الجهادية بين الأطياف المختلفة ضمن النسق الأيديولوجي الجهادي ذاته، وأخيراً مدى الرهان على نجاح الخطط الأمنية الجارية في مواجهة تلك التنظيمات جميعاً.
أما بخصوص بيعة “الأنصار” لداعش، فقد أعلن عنها في مطلع نوفمبر الماضي ثم نُفيت فوراً قبل أن يعاد الإعلان عنها في الأسبوع التالي، وهو ما ذهبت التحليلات المبنية على تصريحات مصادر جهادية إلى ترجيح وجود خلاف على توقيت الإعلان بين قيادة “داعش” في العراق وبين فرعهم الجديد في مصر بسبب تأخر حسم الاتفاق على الدعم المالي والبشري. وتؤكد مصادر مقربة من التنظيم في مصر أن عدداً كبيراً من الشباب المصريين قاتلوا بالفعل في صفوف “جبهة النصرة” في سوريا ثم “داعش” لاحقاً، وأن الاتصال بين الجهاديين في مصر وبينهم لم ينقطع طيلة السنتين الأخيرتين. ولعل القرار الإداري الأخير الذي اتخذته وزارة الداخلية بتقييد سفر المصريين الذكور بين 18 و40 عاماً إلى كل من تركيا وليبيا يؤكد ما يتداوله المقربون من الأوساط الجهادية عن تدفق العناصر المقاتلة والمسؤولة تنظيمياً بين مصر وبين سوريا والعراق عبر التأشيرات السياحية إلى تركيا. على ضوء الطفرة الاقتصادية التي شهدتها موارد تنظيم “داعش” بسيطرته على بعض الآبار الغنية بالنفط الخام واستيلائه على أموال المحافظات والمدن التي سيطر عليها، فإن ضخ الدعم المالي لفرع التنظيم في مصر، “ولاية سيناء”، لن يكون مستغرباً. وكذلك الأمر بخصوص الدعم الفني والقتالي بالخبرات المتقدمة في المعارك والتفجيرات.
من المتوقع أن تتوسع عمليات فرع “داعش” في مصر، بالأخص في وادي النيل، وقد تشمل استهداف المصالح الدبلوماسية والتجارية للدول المشاركة في تحالف الحرب على داعش. هذا التوسع يهدف إلى هدفين مهمّيْن؛ تخفيف الضغط الأمني على التنظيم في سيناء، وتعبئة أعضاء جدد يحتمل انجذابهم إلى التنظيم كلما رسّخ حضوره كتنظيم ذي عمليات مؤثرة وخطاب أيديولوجي يداعب مشاعر الشباب الغاضبين من الإسلاميين. أما تعبئة صفوفهم داخل سيناء نفسها فهم يواجهون فيها عقبات عديدة، أولها لفظ المجتمع المحلي لهم، وهو أمر واقع على غير الشائع في الحديث عن الحاضنة الاجتماعية المزعومة لهم في سيناء. من خلال الاستقصاء الميداني ومقابلة عشرات السكان المحليين، فإن النتيجة التي وصلت إليها أن أغلب السكان متضررون من انتهاكات طرفي الحرب، ورغم ذلك فإن غالبيتهم لا تستجيب لدعوات الحشد وكسب التأييد التي يطلقها الجهاديون مستغلين الانتهاكات التي تقع فيها قوات الجيش والشرطة، كما أقر بذلك الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه ووعد الضحايا بتعويضات.
يؤكد المحليون أن مجموعات الجهاديين صغيرة الأعداد، وأن نسبةً لا يستهان بها منهم هم من المرتزقة الذين يتحركون تبعاً لحركة الأموال من دون أي اكتراث بخطاب أيديولوجي أو ممارسات التدين، بل إن عدداً من قادتهم معروفون بتورطهم في الاتجار بالبشر وتعذيب ضحاياهم من الأفارقة بخلاف ضلوعهم في أعمال التهريب وتكوين ثروات من ورائه. لا ينفي ذلك وجود عشرات من المؤدلجين في صفوفهم، لكنه يضع حاجزاً معنوياً وأخلاقياً كبيراً بين أغلب السكان المحليين وبين الانخراط في صفوفهم مهما كانت درجة الحنق والغضب من تجاوزات القوات النظامية.
أما عن الصراعات الجهادية – الجهادية، فيبدو أن النزاع بين “القاعدة” و”جبهة النصرة” من ناحية وبين “داعش” من الناحية المقابلة لا يزال ممتداً ومؤثراً في المشهد الجهادي في سيناء. فمنذ أيام قليلة صدر بيان عن تنظيم جهادي جديد يسمّى نفسه “كتيبة الرباط” يحاول كسر احتكار “أنصار بيت المقدس” – سابقاً – أو “ولاية سيناء” – حالياً – للنشاط الجهادي في سيناء. تميّز بيان “كتيبة الرباط” بعدم الصدام مع “ولاية سيناء” وعدم تكفير الجيش المصري أو اتهامه بالردة، واختتم بالتحذير من الفتن مشيرين إلى ما يسمّيه الجهاديون “فتنة الشام”، أي الصراع بين “داعش” و”القاعدة”. لذلك، فإن من المتوقع أن تستمر الصراعات الجهادية – الجهادية في سيناء، بالتوازي مع التنافس المحموم بين “أجناد مصر” وفرع “ولاية سيناء” في وادي النيل لإثبات الكفاءة في عمليات القاهرة والدلتا.
أخيراً، يبقى السؤال الملحّ حول كفاءة السياسات الأمنية الجارية في تحقيق أهدافها. ويبدو أن مرور الوقت وزيادة التشديد في الإجراءات الأمنية، منذ إغلاق جسر السلام الواصل بين ضفتيْ قناة السويس في 30 يونيو 2013 وحتى خطة التهجير القسري للأحياء السكنية المتاخمة للشريط الحدودي في رفح وفرض حالة الطواريء الجزئية المؤقتة، لم يؤثر في وجود التنظيمات الجهادية ولا في عنف عملياتهم. تتكرر النداءات التي تدعو سلطات الدولة إلى احتواء الاحتقان الشعبي في سيناء ووقف الخسارة المستمرة للدعم المجتمعي للعمليات الأمنية، وتتجاوب تصريحات بعض المسؤوليين العسكريين لهذه النداءات، إلا أن تنفيذ تلك الوعود لا يزال متعثراً بسبب تضارب الصلاحيات البيروقراطية في شقّيْها العسكري والمدني.
https://ilovesinai.wordpress.com
facebook.com/ismail.alexandrani
النص العربي لمقاله المنشور بالفرنسية في جريدة الأهرام ابدو عدد رأس السنة 31 ديسمبر 2014، ثم أعيد نشره على الموقع الإلكتروني يوم الأربعاء 14 يناير 2015 على الرابط التالي:
http://hebdo.ahram.org.eg/NewsContent/1058/4/132/9182/L%E2%80%99avenir–des-djihadistes-du-Sina%C3%AF.aspx
-----
في مثل هذه الأيام من العام الماضي كانت جماعة “أنصار بيت المقدس” الناشئة في سيناء قد نجحت في عملية استهداف مديرية أمن الدقهلية بمدينة المنصورة في قلب دلتا وادي النيل في ديسمبر 2013، وكانت في طريقها لتنفيذ ثلاث عمليات نوعية في شهر يناير 2014. استهلّ “الأنصار” سنة 2014 في شهرها الأول بثلاثة عمليات؛ وهي: إطلاق عدة صواريخ جراد من سيناء على مدينة إيلات الإسرائيلية، وإسقاط مروحية مقاتلة في شمال سيناء لأول مرة في التاريخ العسكري المصري على يد ميليشيا، واستهداف مديرية أمن العاصمة في حي باب الخلق في قلب القاهرة. كان التحدي سمةً واضحةً في عمليات “الأنصار”؛ سواءً تحدّي الأهداف الأمنية الإقليمية من العمليات العسكرية الموسعة التي بدأها الجيش المصري ضدهم في 7 سبتمبر 2013 أم تحدّي التحذيرات الأمنية المحلية التي وجّهها وزير الداخلية قبيل حلول ذكرى ثورة 25 يناير بعبارته الشهيرة “اللي عايز يجرب يقرب”.
لم تتوقف الاشتباكات والمعارك شبه اليومية بين الجيش وبين جماعة “أنصار بيت المقدس” في سيناء، لكن التغطية الإعلامية لم تتناول سوى العمليات الكبيرة فقط وبعض ما سمحت السلطات بتداوله من أخبار. في فبراير، استهدفت الجماعة حافلة سياحية في جنوب سيناء فقتلت وأصابت العشرات من السياح الكوريين. وفي مارس، نشروا بياناً لنعي قائدهم، توفيق محمد فريج، في إحدى المعارك المسلحة مع قوات الجيش. لكن ذلك لم يؤثر في تنامي قدرات التنظيم الذي توسعت عملياته جغرافياً حتى بلغت واحة الفرافرة في الصحراء الغربية، والساحل الشمالي بين الإسكندرية ومطروح، في أقصى الشمال الغربي من مصر. وأخيراً، اختُتمت السنة بإعلان “الأنصار” البيعة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، المعروف اختصارًا باسم “داعش”، بعد أيام من تنفيذ أضخم عملياتهم ضد القوات النظامية المصرية في نقطة تفتيش “كرم القواديس” في الشمال الشرقي من شبه جزيرة سيناء في الأسبوع الأخير من أكتوبر.
يضاف إلى اطّراد عملياتهم ما تناقلته التقارير الصحفية بعد عملية دمياط البحرية عن انخراط ضباط جيش، سابقين وعاملين، في صفوف مَنْ أصبحوا “ولاية سيناء” التابعة لداعش. وهو تطور خطير لم يصدر عن السلطات أي نفي له، وتؤكده تحليلات الخبراء الذين يرون في أدائهم جمعاً بين خبرات القوات النظامية جنباً إلى جنب مع تكتيكات حروب العصابات والميليشيات. وفي حين تؤكد المصادر الأمنية نجاح الأجهزة الاستخباراتية في إحباط عدة عمليات كبيرة لهم في القاهرة وبعض المدن الأخرى ذات الكثافة السكانية العالية من دون إعلان عن أي من تلك الضربات الاستباقية، يظل الأداء الإعلامي لأجهزة الدولة أضعف بكثيرٍ من التوثيق المرئي الذي يقدمه تنظيم “ولاية سيناء” في إصداراته التي يعلن فيها مسؤوليته عن عملياته الناجحة.
يمكن تلخيص استشراف مستقبل الجماعات الجهادية في سيناء في 2015 في مربع له أربعة أضلاع؛ أولها دلالات إعلان “الأنصار” بيعتهم لداعش وآثارها المحتملة، وثانيها هو قدرة تنظيم “ولاية سيناء” على الحشد والتعبئة في سيناء وخارجها، وثالثها هو الصراعات الجهادية – الجهادية بين الأطياف المختلفة ضمن النسق الأيديولوجي الجهادي ذاته، وأخيراً مدى الرهان على نجاح الخطط الأمنية الجارية في مواجهة تلك التنظيمات جميعاً.
أما بخصوص بيعة “الأنصار” لداعش، فقد أعلن عنها في مطلع نوفمبر الماضي ثم نُفيت فوراً قبل أن يعاد الإعلان عنها في الأسبوع التالي، وهو ما ذهبت التحليلات المبنية على تصريحات مصادر جهادية إلى ترجيح وجود خلاف على توقيت الإعلان بين قيادة “داعش” في العراق وبين فرعهم الجديد في مصر بسبب تأخر حسم الاتفاق على الدعم المالي والبشري. وتؤكد مصادر مقربة من التنظيم في مصر أن عدداً كبيراً من الشباب المصريين قاتلوا بالفعل في صفوف “جبهة النصرة” في سوريا ثم “داعش” لاحقاً، وأن الاتصال بين الجهاديين في مصر وبينهم لم ينقطع طيلة السنتين الأخيرتين. ولعل القرار الإداري الأخير الذي اتخذته وزارة الداخلية بتقييد سفر المصريين الذكور بين 18 و40 عاماً إلى كل من تركيا وليبيا يؤكد ما يتداوله المقربون من الأوساط الجهادية عن تدفق العناصر المقاتلة والمسؤولة تنظيمياً بين مصر وبين سوريا والعراق عبر التأشيرات السياحية إلى تركيا. على ضوء الطفرة الاقتصادية التي شهدتها موارد تنظيم “داعش” بسيطرته على بعض الآبار الغنية بالنفط الخام واستيلائه على أموال المحافظات والمدن التي سيطر عليها، فإن ضخ الدعم المالي لفرع التنظيم في مصر، “ولاية سيناء”، لن يكون مستغرباً. وكذلك الأمر بخصوص الدعم الفني والقتالي بالخبرات المتقدمة في المعارك والتفجيرات.
من المتوقع أن تتوسع عمليات فرع “داعش” في مصر، بالأخص في وادي النيل، وقد تشمل استهداف المصالح الدبلوماسية والتجارية للدول المشاركة في تحالف الحرب على داعش. هذا التوسع يهدف إلى هدفين مهمّيْن؛ تخفيف الضغط الأمني على التنظيم في سيناء، وتعبئة أعضاء جدد يحتمل انجذابهم إلى التنظيم كلما رسّخ حضوره كتنظيم ذي عمليات مؤثرة وخطاب أيديولوجي يداعب مشاعر الشباب الغاضبين من الإسلاميين. أما تعبئة صفوفهم داخل سيناء نفسها فهم يواجهون فيها عقبات عديدة، أولها لفظ المجتمع المحلي لهم، وهو أمر واقع على غير الشائع في الحديث عن الحاضنة الاجتماعية المزعومة لهم في سيناء. من خلال الاستقصاء الميداني ومقابلة عشرات السكان المحليين، فإن النتيجة التي وصلت إليها أن أغلب السكان متضررون من انتهاكات طرفي الحرب، ورغم ذلك فإن غالبيتهم لا تستجيب لدعوات الحشد وكسب التأييد التي يطلقها الجهاديون مستغلين الانتهاكات التي تقع فيها قوات الجيش والشرطة، كما أقر بذلك الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه ووعد الضحايا بتعويضات.
يؤكد المحليون أن مجموعات الجهاديين صغيرة الأعداد، وأن نسبةً لا يستهان بها منهم هم من المرتزقة الذين يتحركون تبعاً لحركة الأموال من دون أي اكتراث بخطاب أيديولوجي أو ممارسات التدين، بل إن عدداً من قادتهم معروفون بتورطهم في الاتجار بالبشر وتعذيب ضحاياهم من الأفارقة بخلاف ضلوعهم في أعمال التهريب وتكوين ثروات من ورائه. لا ينفي ذلك وجود عشرات من المؤدلجين في صفوفهم، لكنه يضع حاجزاً معنوياً وأخلاقياً كبيراً بين أغلب السكان المحليين وبين الانخراط في صفوفهم مهما كانت درجة الحنق والغضب من تجاوزات القوات النظامية.
أما عن الصراعات الجهادية – الجهادية، فيبدو أن النزاع بين “القاعدة” و”جبهة النصرة” من ناحية وبين “داعش” من الناحية المقابلة لا يزال ممتداً ومؤثراً في المشهد الجهادي في سيناء. فمنذ أيام قليلة صدر بيان عن تنظيم جهادي جديد يسمّى نفسه “كتيبة الرباط” يحاول كسر احتكار “أنصار بيت المقدس” – سابقاً – أو “ولاية سيناء” – حالياً – للنشاط الجهادي في سيناء. تميّز بيان “كتيبة الرباط” بعدم الصدام مع “ولاية سيناء” وعدم تكفير الجيش المصري أو اتهامه بالردة، واختتم بالتحذير من الفتن مشيرين إلى ما يسمّيه الجهاديون “فتنة الشام”، أي الصراع بين “داعش” و”القاعدة”. لذلك، فإن من المتوقع أن تستمر الصراعات الجهادية – الجهادية في سيناء، بالتوازي مع التنافس المحموم بين “أجناد مصر” وفرع “ولاية سيناء” في وادي النيل لإثبات الكفاءة في عمليات القاهرة والدلتا.
أخيراً، يبقى السؤال الملحّ حول كفاءة السياسات الأمنية الجارية في تحقيق أهدافها. ويبدو أن مرور الوقت وزيادة التشديد في الإجراءات الأمنية، منذ إغلاق جسر السلام الواصل بين ضفتيْ قناة السويس في 30 يونيو 2013 وحتى خطة التهجير القسري للأحياء السكنية المتاخمة للشريط الحدودي في رفح وفرض حالة الطواريء الجزئية المؤقتة، لم يؤثر في وجود التنظيمات الجهادية ولا في عنف عملياتهم. تتكرر النداءات التي تدعو سلطات الدولة إلى احتواء الاحتقان الشعبي في سيناء ووقف الخسارة المستمرة للدعم المجتمعي للعمليات الأمنية، وتتجاوب تصريحات بعض المسؤوليين العسكريين لهذه النداءات، إلا أن تنفيذ تلك الوعود لا يزال متعثراً بسبب تضارب الصلاحيات البيروقراطية في شقّيْها العسكري والمدني.
تعليقات
إرسال تعليق