الله لا يجوز له خليفة

قال ابن تيمية:

"والخليفة هو من كان خلفا عن غيره. فعيلة بمعنى فاعلة. كان {النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر يقول: اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل} وقال صلى الله عليه وسلم {من جهز غازيا فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا} وقال: {أوكلما خرجنا في الغزو خلف أحدهم وله نبيب كنبيب التيس يمنح إحداهن اللبنة من اللبن لئن أظفرني الله بأحد منهم لأجعلنه نكالا} وفي القرآن: {سيقول لك المخلفون من الأعراب} وقوله: {فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله} .

والمراد " بالخليفة " أنه خلف من كان قبله من الخلق. والخلف فيه مناسبة كما كان أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه خلفه على أمته بعد موته وكما {كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر لحج أو عمرة أو غزوة يستخلف على المدينة من يكون خليفة له مدة معينة} . فيستخلف تارة ابن أم مكتوم وتارة غيره {واستخلف علي بن أبي طالب في غزوة تبوك.} وتسمى الأمكنة التي يستخلف فيها الإمام " مخاليف " مثل: مخاليف اليمن ومخاليف أرض الحجاز ومنه الحديث: {حيث خرج من مخلاف إلى مخلاف} ومنه قوله تعالى {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم} وقوله تعالى {ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا} - إلى قوله تعالى - {ثم جعلناكم خلائف في الأرض} ومنه قوله تعالى {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم} الآية. وقد ظن بعض القائلين الغالطين - كابن عربي - أن " الخليفة " هو الخليفة عن الله مثل نائب الله؛ وزعموا أن هذا بمعنى أن يكون الإنسان مستخلفا وربما فسروا " تعليم آدم الأسماء كلها " التي جمع معانيها الإنسان. ويفسرون " خلق آدم على صورته " بهذا المعنى أيضا وقد أخذوا من الفلاسفة قولهم: الإنسان هو العالم الصغير. وهذا قريب. وضموا إليه أن الله هو العالم الكبير؛ بناء على أصلهم الكفري في وحدة الوجود وأن الله هو عين وجود المخلوقات. فالإنسان من بين المظاهر هو الخليفة الجامع للأسماء والصفات ويتفرع على هذا ما يصيرون إليه من دعوى الربوبية والألوهية المخرجة لهم إلى الفرعونية والقرمطية والباطنية وربما جعلوا " الرسالة " مرتبة من المراتب وأنهم أعظم منها فيقرون بالربوبية والوحدانية والألوهية؛ وبالرسالة ويصيرون في الفرعونية. هذا إيمانهم. أو يخرجون في أعمالهم أن يصيروا سدى لا أمر عليهم ولا نهي؛ ولا إيجاب ولا تحريم.
والله لا يجوز له خليفة؛ ولهذا لما قالوا لأبي بكر: يا خليفة الله قال: لست بخليفة الله؛ ولكني خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبي ذلك. بل هو سبحانه يكون خليفة لغيره قال النبي صلى الله عليه وسلم {اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم اصحبنا في سفرنا واخلفنا في أهلنا} وذلك لأن الله حي شهيد مهيمن قيوم رقيب حفيظ غني عن العالمين ليس له شريك ولا ظهير ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه. والخليفة إنما يكون عند عدم المستخلف بموت أو غيبة ويكون لحاجة المستخلف إلى الاستخلاف. وسمي " خليفة " لأنه خلف عن الغزو وهو قائم خلفه وكل هذه المعاني منتفية في حق الله تعالى وهو منزه عنها؛ فإنه حي قيوم شهيد لا يموت ولا يغيب وهو غني يرزق ولا يرزق يرزق عباده وينصرهم ويهديهم ويعافيهم: بما خلقه من الأسباب التي هي من خلقه والتي هي مفتقرة إليه كافتقار المسببات إلى أسبابها. فالله هو الغني الحميد له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما {يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن} {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} ولا يجوز أن يكون أحد خلفا منه ولا يقوم مقامه؛ لأنه لا سمي له ولا كفء له. فمن جعل له خليفة فهو مشرك به.


" (مجموع الفتاوى) (35/ 43)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

100 Arabic words in Frank Herbert's Dune

Darth Vader's Jewish Origin - The Golem of Star Wars

Mobile Movies