الرواية عند العرب

كلمة قصة ورواية في اللغة العربية تختلف تماما عن استخدامنا الحالي لها.
فمعناها الأصلي هو سرد الحقائق بالنص، لا سرد أحداث متخيلة!!..
القصص هو السير على آثار الشخص الموجودة في الرمال، أي قص الأثر. والرواية هي النقل الحرفي لما قاله الشخص، كرواية الحديث النبوي أو رواية سير مشاهير التاريخ.
وكان العرب يخجلون من تسمية الحكايات الخرافية باسمها الحقيقي، فيضطر الراوي أن يخترع للقصة إسنادا ليوحي بأنها حقيقة منقولة فعلا من شخص لشخص.
وأول رواية في التاريخ الحديث هي روبنسون كروزو، والتي اختار مؤلفها أن يكتب على غلافها أنها قصة حقيقية حدثت لبحار حقيقي، لأن فكرة اختراع مئات الصفحات والأحداث لم تكن مقبولة اجتماعيا وكان سيتم معاملتها على أنها عبث وتضييع للجهد والوقت.
وفي التاريخ الإسلامي لم توجد القصة الخيالية كنوع من الأدب العربي، بل كانت شبه مقتصرة على الفرس وعلى المتأثرين بالحضارة الفارسية الموجودين تحت ظل الحكم العربي الإسلامي.
وظل الوضع هكذا لمئات السنين لأن الذوق الأدبي العربي لا يميل للأساطير واختلاق الأحداث، إلى أن ظهرت الرواية الأدبية في الغرب كنوع أدبي، فبدأ العرب في القرن التاسع عشر في محاولة تقليدها.
وتعتبر أهم المحاولات الأولى هي حديث عيسى بن هشام للمويلحي، عندما خلط بين فن المقامة اللغوية ذات الألفاظ المعجمية المعقدة وبين فن الرواية المأخوذ عن الغرب.
ولهذا لا عجب في أن الإنتاج الروائي العربي ضعيف بالمقارنة بالإنتاج الغربي، لأن الرواية كفن لم تصلنا إلا متأخرا، ولم تكن نابعة عن طبيعة الأدب العربي بل تقليدا لبراعة الأدب الغربي.
وأقرب ما يمكن أن  يوصف بالرواية عند العرب هو السيرة الشعبية التي لم تكن نصا مكتوبا بل مجموعة حواديت موجهة للطبقات الشعبية ويحكيها شخص على المقهى بطريقة مسلسلة، ولم تحوي معاني فلسفية عميقة أو تلتزم بنص ثابت للسيرة لا يختلف من راوي لآخر، على عكس المعاني الفلسفية التي نجدها مثلا في أول رواية إنجليزية عندما يعيش كروزو وحيدا على جزيرة ويفكر في معنى الحياة، وهو شيء يشبه ما فعله ابن سينا الفارسي عندما كتب عن حي بن يقظان قصة قصيرة يضع فيها أفكاره الفلسفية.
ولهذا كان أمثال ابن سينا وابن المقفع هم نتاج ثقافة أجنبية غير عربية، على الرغم من أنهم كانوا يكتبون باللغة العربية وفي مجتمع عربي.
ولن تجد في التاريخ الإسلامي قبل مرحلة التأثر بالغرب أديبا عربيا واحدا كتب قصة قصيرة أو رواية مختلقة. أما من كانت عندهم النزعة الأدبية للحكي فكانوا يخترعون للقصة جوا يوحي بتاريخيتها، كأن يجعل الحوار يتم بين خليفة معروف وأحد أتباعه، أو يجعل بطل القصة هو النبي إدريس أو آدم، بحيث تكون القصة مقبولة اجتماعيا على أنها حقيقة وليست اختلاقا!..
فطبيعي أن تجد قصص ألف ليلة وقصص كليلة ودمنة هي في الأصل مقتبسة من ثقافة غير عربية، هندية وفارسية، لأن هذه الأمم، كالرومان والإغريق، لا تجد حرجا في اختلاق القصص، على عكس الذوق العربي الأصلي الذي يميل للتاريخ والواقع ولا يستخدم الرموز في أدبه.
ولهذا يمكنك مقارنة سذاجة وضعف الأساطير الوثنية الجاهلية بقوة وتفاصيل القصص الوثنية الإغريقية.

هذه هي خلاصة أسباب ضعف الأدب العربي الحديث.. فنحن في الحقيقة نضغط على أنفسنا ونتعسف ونعاني لأننا نحاول إنتاج شيء مخالف لطبيعة الأدب العربي، ولهذا كان أفضل الروائيين عندنا هم من تأثر ذوقهم بالأدب الغربي وشربوا هيكلية الرواية الغربية وأساليبها، ومع ذلك لو حاول أحدهم كتابة رواية متقنة فستجده تلقائيا يتجه إما للتاريخ فيتكلم عن قطز أو عن ثورة 1919 أو سيتجه لجو غربي صريح فيتكلم عن دراكولا أو الفضائيين. لأن الرواية كفن لا جذور له في الأدب العربي.
وضعف الروايات العربية الحديثة معلوم لمن قارن بحيادية بينها وبين الإنتاج الغربي والشرقي. وهو ضعف أراه شيئا محمودا لا عيبا، لأنه يدل على أننا لم نتشرب الذوق الغربي، وأنه لا زال فينا بقية من الذوق العربي القديم الذي يحب السرد التاريخي الحقيقي وسير الأشخاص الحقيقيين لا الأبطال المختلقين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

100 Arabic words in Frank Herbert's Dune

Darth Vader's Jewish Origin - The Golem of Star Wars

الفلك وفلكة المغزل